الأربعاء، 7 يناير 2009

أجل.. مدى الحياة



على مدار نصف قرن ويزيد، نجحت الأنظمة العربية في تحقيق ما لم تحققه أية أمة أخرى من الفشل على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فعلى الصعيد السياسي نجحت تلك الأنظمة في قبول جميع مبادرات التقسيم والتهميش والإضعاف في إذعان تام ، بدءا من تقسيم فلسطين وضياع القدس الشريف ، وقبل ذلك أيضاً ضياع جزء كبير من الإرث الإسلامي العظيم والعريق الذي ورثوه عن أسلافهم (الرجال) الذين حرروه بكفاحهم ودمائهم ، وتحول الحزء اليسير الذي تبقى منه دول وممالك ، ثم دويلات ، ولا أدري إن كان هناك تصغير أكثر من ذلك للمرحلة المقبلة، وإن كنت أعتقد أن تلك الأنظمة في جعبتها الكثير من مصطلحات التقسيم والخضوع والإذعان والهوان التي لم تكن معروفة في أسلافهم من قبل.

ولهذا النجاح متطلبات ومقدمات ، فلم يأت هذا النجاح من فراغ؛ فعلى الصعيد الاقتصادي ؛ استطاعت تلك الأنظمة أن تحقق إنجازاً غير مسبوق لم يعرفه التاريخ من قبل ولا من بعد ؛ فبرغم امتلاك أهم عصب للاقتصاد في العصر الحديث ، وهو الطاقة متمثلة في البترول ، والغاز الطبيعي ، وبرغم امتلاك رؤوس الأموال التي تمتلئ بها خزائن الملوك والسلاطين والرؤساء ومنافقيهم ، إلا أنهم لا يمكلون قرارهم ولا يملكون حتى حق التصرف في ممتلكاتهم وثرواتهم ، ولا يملكون حق الانتفاع بهذه الثروات إلا بالأسلوب الذي يحدده لهم ويمليه عليهم أسيادهم .

وفي المجال العسكري لم تنجح تلك الأنظمة في أية معركة حقيقية ، فمن مأساة 48 ، إلى كارثة 56 إلى نكسة 67 ، ثم النصر المبتور في 73 ( لم تستطع الجيوش العربية أن تسترد ما احتلته إسرائيل في 67 19في ست ساعات حتى الآن) وفي كل هزيمة تحملوا الصفعات والطعنات والإهانات في صمود عجيب .

وفي المجال الاجتماعي أضاعت تلك الأنظمة الهوية الثقافية والاجتماعية والعقائدية لشعوبها ، وأصبحت النظريات والفلسفات والقوانين تملى عليها لترويض الشعوب واستعبادها بدءا بنظم التعليم وانتشار الفساد الإعلامي والاجتماعي، وانتهاء بتعريف الإرهاب ومحاربة كل أشكال التدين - فيما عدا الأطر الرسمية منها ، والتي تصيغها تلك الأنظمة ( بإيحاء وتوجيه من أمريكا وإسرائيل) لكي تربط بين التدين والتخلف، وتقصر الدعوة على الخطباء الرسميين الذين تنتهي خطبتهم دائماً بالدعاء للملوك والسلاطين والرؤساء بطول الأجل ودوام الحكم .

ولعلنا نتساءل هنا ( كشعوب مغلوبة على أمرها ، مقهورة من حكامها ) " لماذا؟ "

والإجابة عن ذلك بإيجاز غير مخل" : من أجل "مدى الحياة" .. أجل تلك هي الكلمة السحرية التي تضحي في سبيلها تلك الأنظمة بكل رخيص من حياة شعوبها ، من أمنه.. من أرضه.. من ثرواته .. من إنسانيته كل شيء يهون في سبيل أن تبقى هذه الأنظمة .. مدى الحياة.


ليست هناك تعليقات: