الأحد، 18 يناير 2009

معركة الكرامة

في كل المعارك التي خاضها العدو الصهيوني مع العرب- منذ احتلاله فلسطين العربية عام 1948م وهو يحاول الخروج منتصرا ، عسكرياً في المقام الأول ، وسياسياً في المقام الثاني ، حتى في معركة 1973 - وهي المعركة الوحيدة التي انتصر فيها العرب على إسرائيل – استطاعت إسرائيل أن تبرم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بمبادرة من السادات، والتي أخرجت مصر من ساحة النزال إلى ساحة الإملاءات السياسية والعسكرية. ولعل هذا هو أكبر الانتصارات التي حققتها إسرائيل على العرب منذ احتلالها فلسطين ؛ إذ طوقت عنق النظام المصري وكبلته بمعاهدة جائرة غير متكافئة لاتتفق ومكانة مصر في المنطقة ، كما لا تتفق مع معطيات النصر الذي حققه جنودها البواسل في هذه الحرب الانتقامية التي ردت للجيش المصري كرامته ومكانته ، وهكذا استطاعت إسرائيل أن تعوض خسارتها العسكرية بانتصار سياسي غير مسبوق، بينما حول النظام الحاكم في مصر في ذلك الوقت النصر الذي حققته القوات المسلحة الباسلة إلى هزيمة سياسية عزلت مصر عربياً وجعلتها ترتمي في أحضان أمريكا وإسرائيل.

ومنذ ذلك الحين وإسرائيل تحرص على توريط النظام المصري، وإحراجه- بل إهانته- سياسياً ، ومن ثم تقليص دور مصر الفاعل وعزلها إقليمياًً وعالمياً ، وهي لا تألو جهداً في ذلك ؛ ففي 7 حزيران عام 1981 ، بعد أربع سنوات من إبرام المعاهدة – وكانت لا تزال تحتل أجزاء من أرض مصر في ذلك الوقت - ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي ودمرته بشكل كامل- على الرغم من أنه كان مفاعلا سلمياً- وذلك في اليوم التالي للقاء الرئيس الراحل أنور السادات - صاحب مبادرة السلام ، والذي تفرد بها في ذلك الوقت - ورئيس وزراء الكيان الصهيوني في ذلك الوقت ، مجرم الحرب العتيد والسياسي الخبيث مناحم بيجين .

وفي اعتقادي أن هذه الحادثة كانت نقطة تحول بالغة الأهمية في سياسة إسرائيل تجاه المنطقة ؛ فبالرغم من الثورة العارمة التي أصابت السادات والتصريحات شديدة اللهجة التي استهجن بها ذلك العمل المشين إلا أنه حرص على أن يؤكد في حديثه على أن السلام باق مهما فعلت إسرائيل ، ولم يكن هذا مجرد قول ؛ فقد استطاع السادات أن يكرس كل الجهود في هذا الاتجاه وأن ُيقصي معارضيه الذين عارضوا إبرام المعاهدة بصورتها التي خرجت بها ، وبدا واضحاً حرص النظام المصري وتمسكه بخيار السلام كخيار أوحد على حساب بقية الخيارات بما فيها الكفاح المسلح المشروع ؛ حيث أعلن السادات أكثر من مرة أن حرب 1973 هي آخر حروب المنطقة ( وهذا ما لم تعلنه إسرائيل ولو لمرة واحدة)، ؛ بما يوحي بأن هذا الخيار هو خيار مصري خالص – في ذلك الوقت – ومصري عربي حسبما تكشف بعد ذلك ؛ حيث التزمت الأنظمة العربية الصمت الرهيب والمعيب تجاه الحروب التي خاضتها إسرائيل بعد ذلك في الضفة ولبنان وغزة الصامدة ، وحينها أدركت إسرائيل - بفطنتها السياسية- أن العرب لم يعد أمامهم إلا خيار واحد هو خيار اللاحرب واستجداء السلام مع إسرائيل ، وبذلك تحقق لإسرائيل ما أرادت.

وبعد مقتل السادات كان لابد لإسرائيل أن تعيد تقييم الموقف المصري من جديد ، فكانت حرب لبنان- التي أخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد قتال باسل مع العدو الغاشم - واحتلت إسرائيل جنوب لبنان ، وأعلن أحد كبار المسئولين الإسرائيلين في ذلك الوقت أن حرب لبنان تعد اختباراً لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، وكان يعني بذلك ردة الفعل المصرية تجاه تلك الحرب ، ولقد كان لإسرائيل ما أرادت أيضاً ؛ حيث اقتصر الدور المصري في هذه الحرب - ومن ورائه الدور العربي- على تـامين خروج من بقي من المقاومين الفلسطينيين من جنوب لبنان.

وهكذا بدأ الدور المصري يتراجع أكثر فأكثر ، بينما بدأ الدور السوري الإيراني يتعاظم، وحدث تغير نوعي في شكل ومضمون المقاومة بظهور حزب الله لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين المقاومة الشعبية ، وبين الكيان الصهيوني .

وفي قراءة سريعة للحرب الأخيرة على غزة انتهجت إسرائيل – كعادتها- النهج نفسه في إحراج النظام المصري؛ حيث جاءت العنقاء ذو الوجه القبيح في غطرسة غير مسبوقة لتعلن الحرب على غزة من أرض الكنانة ، بينما تعهدت للجانب المصري – حسبما قيل- بأنها لن تهاجم غزة. وهكذا سخرت من كل المقدرات بما فيها ذكاء المصريين الذين أكدوا للمجاهدين البواسل في غزة قبل بدء الحرب بساعات أن إسرائيل لن تهاجم ، وكانت الفاجعة ، وتجرعت مصر مرارة الكأس نفسه مرة أخرى دون ردة فعل تذكر .

ودارت الحرب وكان ما كان من نصر الله للمقاومين البواسل ودحر العدوان الغاشم الفاشل، ولم تحقق إسرائيل ما أرادت – كعادتها- منذ أصابتها لعنة حزب الله في لبنان.

ومرة أخرى عندما أرادت إسرائيل أن تخرج من أزمتها ، تجاوزت مصر- كعادتها- لتبرم اتفاقية أمنية مع سوداء الوجه والقلب وزيرة الخارجية الأمريكية قبل مغادرتها إلى غير رجعة بأيام، وفي أقل من ساعة . تلك الاتفاقية التي من شأنها أن تمس بالأمن القومي المصري بوجود قوات دولية على حدودها براً وبحراً وجواً. وتجرعت مصر مرارة الكاس للمرة الثانية في أقل من شهر ، وذلك برغم ما قدمه النظام المصري لإسرائيل من دعم لوجستي بغلق معبر رفح في وجه الفلسطينيين قبل وأثناء المعركة غير المتكافئة - والذي يعد الشريان الوحيد لقطاع غزة بعد غلق إسرائيل باقي المعابر- و معنوي بتحميل المقاومة مسئولية الحرب والدمار بحجة أنها آثرت الموت في ساحة النزال في عزة وكرامة على الموت جوعاً نتيجة الحصار الظالم الذي شارك فيه النظام المصري بفاعلية ، واستمعنا إلى التصريحات النارية لوزير خارجية النظام المصري يتوعد الأخوة الفلسطينين "بكسر رجل" من تسول له نفسه العبور إلى الجانب المصري من معبر رفح ، بينما آثر الصمت تجاه القصف الإسرائيلي للخط الفاصل على حدود رفح المصرية ، رغم تضرر بعض المنشآت على الجانب المصري.

إخواننا في غزة : أيها الأحرار البواسل، إذا كانت الشعوب تدرك أنكم انتصرتم على عدوكم ، وأن الله أيدكم بنصره ،فإن ساسة العالم وقادته المنافقين - الذين أعمى الله بصيرتهم فغضوا الطرف عما يحدث لكم- أولى بأن يعلموا ذلك ويفقهوه ولكنهم يكابرون.

نعم أيدكم الله بنصر من عنده وانهزمت إسرائيل وهم يعلمون ذلك جيداً ، ومهما كابروا ، ومهما حاولوا أن يحولوا نصركم إلى هزيمة ويقللوا من شأنكم وشأن شهدائكم وجرحاكم من أجل عيون أبناء القردة والخنازير الذين هم من جلدتهم فإن الله هو مولاكم وجبريل وميكائيل وسائر المؤمنين

"إن ينصركم الله فلا غالب لكم".

" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

ليست هناك تعليقات: